فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والإمامية قالوا: لا يمكن أن تكون الدنيا بغير إمام من ولد الحسين، وإن الإمام يعلِّمه جبريل عليه السلام، فإذا مات بدّل غيره مكانه.
والزيدِية قالوا: ولد الحسين كلهم أئمة في الصلوات، فمتى وُجد منهم أحد لم تجز الصلاةُ خلف غيرهم، برّهم وفاجرهم.
والعباسية زعموا أن العباس كان أولى بالخلافة من غيره.
والتناسخية قالوا: الأرواح تتناسخ؛ فمن كان مُحسنًا خرجت روحه فدخلت في خلق يسعد بعيشه.
والرَّجعية زعموا أن عليًّا وأصحابه يرجعون إلى الدنيا، وينتقمون من أعدائهم.
واللاّعِنَة يلعنون عثمان وطلحة والزبير ومعاوية وأبا موسى وعائشةَ وغيرَهم.
والمتربّصة تشبهوا بزيّ النُّساك ونصبوا في كل عصر رجلًا ينسُبون إليه الأمر، يزعمون أنه مَهدِيُّ هذه الأُمة، فإذا مات نصبوا آخر.
ثم انقسمت الجَبْرية اثنتى عشرة فرقة: فمنهم المضطرية قالوا: لا فعل للآدميّ، بل الله يفعل الكل.
والأفعالية قالوا: لنا أفعال ولكن لا استطاعة لنا فيها، وإنما نحن كالبهائم نقاد بالحبل.
والمفروغية قالوا: كل الأشياء قد خُلقت، والأن لا يُخلق شيء.
والنجارية زعمت أن الله تعالى يعذّب الناس على فعله لا على فعلهم.
والمنّانيّة قالوا: عليك بما يخطر بقلبك، فافعل ما توسّمت منه الخير.
والكَسْبية قالوا: لا يكتسب العبد ثوابًا ولا عقابًا.
والسّابقية قالوا: من شاء فليعمل ومن شاء (ف) لا يعمل، فإن السعيد لا تضرّه ذنوبه والشّقي لا ينفعه بِرّه.
والحِبِّية قالوا: من شرب كأس محبة الله تعالى سقطت عنه عبادة الأركان.
والخوفية قالوا: من أحبّ الله تعالى لم يسعه أن يخافه؛ لأن الحبيب لا يخاف حبيبه.
والفكرية قالوا: من ازداد علمًا أسقط عنه بقدر ذلك من العبادة.
والخشبية قالوا: الدنيا بين العباد سواء، لا تفاضُل بينهم فيما ورَّثَهم أبوهم آدم.
والمَنّيّه قالوا: منا الفعل ولنا الاستطاعة.
وسيأتي بيان الفرقة التي زادت في هذه الأُمة في آخر سورة الأنعام إن شاء الله تعالى.
وقال ابن عباس لسماك الحنفي: يا حنفي، الجماعةَ الجماعة فإنما هلكت الأُمم الخالية لتفرّقها؛ أما سمعت الله عز وجل يقول: {واعتصموا بِحَبْلِ الله جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يرضى لكم ثلاثًا ويكره لكم ثلاثًا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا ويكره لكم ثلاثًا قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال» فأوجب تعالى علينا التمسك بكتابه وسنة نبيه والرجوع إليهما عند الاختلاف، وأمرنا بالاجتماع على الاعتصام بالكتاب والسنة اعتقادا وعملًا، وذلك سبب اتفاق الكلمة وانتظام الشتات الذي يتم به مصالح الدنيا والدين، والسلامة من الاختلاف، وأمر بالاجتماع ونهى عن الافتراق الذي حصل لأهل الكتابين.
هذا معنى الآية على التمام، وفيها دليل على صحة الإجماع حسبما هو مذكور في موضعه من أُصول الفقه، والله أعلم. اهـ.

.قال السمرقندي:

قال بعض الحكماء: إن مثل من في الدنيا، كمثل من وقع في بئر، فيها من كل نوع من الآفات، فلا يمكنه أن يخرج منها والنجاة من آفاتها إلا بحبل وثيق، فكذلك الدنيا دار محنة، وفيها كل نوع من الآفات، فلا سبيل إلى النجاة منها إلا بالتمسك بحبل وثيق، وهو كتاب الله تعالى. اهـ.

.قال الفخر:

استدلت نفاة القياس بهذه الآية، فقالوا: الأحكام الشرعية إما أن يقال: أنه سبحانه نصب عليها دلائل يقينية أو نصب عليها دلائل ظنية، فإن كان الأول امتنع الاكتفاء فيها بالقياس الذي يفيد الظن، لأن الدليل الظني لا يكتفى به في الموضع اليقيني، وإن كان الثاني كان الأمر بالرجوع إلى تلك الدلائل الظنية يتضمن وقوع الاختلاف ووقوع النزاع، فكان ينبغي أن لا يكون التفرق والتنازع منهيًا عنه، لكنه منهي عنه لقوله تعالى: {وَلاَ تَفَرَّقُواْ} وقوله: {وَلاَ تنازعوا}.
ولقائل أن يقول: الدلائل الدالة على العمل بالقياس تكون مخصصة لعموم قوله: {وَلاَ تَفَرَّقُواْ} ولعموم قوله: {وَلاَ تنازعوا} والله أعلم. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {واذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ}:

.قال الفخر:

اعلم أن نعم الله على الخلق إما دنيوية وإما أُخروية وإنه تعالى ذكرهما في هذه الآية، أما النعمة الدنيوية فهي قوله تعالى: {إِذْ كُنتُم أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {واذكروا نعمت الله عليكم} تصوير لحالهم الَّتي كانوا عليها ليحصل من استفظاعها انكشاف فائدة الحالة الَّتي أمروا بأن يكونوا عليها وهي الاعتصام جميعًا بجامعة الإسلام الَّذي كان سبب نجاتهم من تلك الحالة، وفي ضمن ذلك تذكير بنعمة الله تعالى، الّذي اختار لهم هذا الدّين، وفي ذلك تحريض على إجابة أمره تعالى إياهم بالاتِّفاق.
والتَّذكيرُ بنعمة الله تعالى طريق من طُرق مواعظ الرّسل.
قال تعالى حكاية عن هود: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح} [الأعراف: 69] وقال عن شعيب: {واذكروا إذ كنتم قليلًا فكثَّركم} [الأعراف: 86] وقال الله لموسى: {وذكرهم بأيام الله} [إبراهيم: 5].
وهذا التَّذكير خاصّ بمن أسلم من المسلمين بعد أن كان في الجاهلية، لأنّ الآية خطاب للصّحابة ولكن المنّة به مستمرة على سائر المسلمين، لأن كُلّ جيل يُقَدّر أن لو لم يَسبق إسلام الجيل الَّذي قبله لكانوا هم أعداء وكانوا على شفا حفرة من النَّار. اهـ.

.قال الفخر:

قيل إن ذلك اليهودي لما ألقى الفتنة بين الأوس والخَزْرَج وهَمَّ كلُّ واحد منهما بمحاربة صاحبه، فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يزل يرفق بهم حتى سكنت الفتنة وكان الأوس والخزرج أخوين لأب وأم، فوقعت بينهما العداوة، وتطاولت الحروب مائة وعشرين سنة إلى أن أطفأ الله ذلك بالإسلام، فالآية إشارة إليهم وإلى أحوالهم، فإنهم قبل الإسلام كان يحارب بعضهم بعضًا ويبغض بعضهم بعضًا، فلما أكرمهم الله تعالى بالإسلام صاروا إخوانًا متراحمين متناصحين وصاروا إخوة في الله: ونظير هذه الآية قوله: {لَوْ أَنفَقْتَ مَا في الأرض جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ولكن الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال: 63].
واعلم أن كل من كان وجهه إلى الدنيا كان معاديًا لأكثر الخلق، ومن كان وجهه إلى خدمة الله تعالى لم يكن معاديًا لأحد، والسبب فيه أنه ينظر من الحق إلى الخلق فيرى الكل أسيرًا في قبضة القضاء والقدر فلا يعادي أحدًا، ولهذا قيل: إن العارف إذا أمر أمر برفق ويكون ناصحًا لا يعنف ويعير فهو مستبصر بسر الله في القدر. اهـ.
وقال الفخر:
قال الزَّجّاج: أصل الأخ في اللُّغة من التوخي وهو الطلب، فالأخ مقصده مقصد أخيه، والصديق مأخوذ من أن يصدق كل واحد من الصديقين صاحبه ما في قلبه، ولا يخفي عنه شيئًا وقال أبو حاتم قال أهل البصرة: الاخوة في النسب والإخوان في الصداقة، قال وهذا غلط، قال الله تعالى: {إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] ولم يعن النسب، وقال: {أَوْ بُيُوتِ إخوانكم} [النور: 61] وهذا في النسب. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}:

.قال الفخر:

قوله: {فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} يدل على أن المعاملات الحسنة الجارية بينهم بعد الإسلام إنما حصلت من الله، لأنه تعالى خلق تلك الداعية في قلوبهم وكانت تلك الداعية نعمة من الله مستلزمة لحصول الفعل، وذلك يبطل قول المعتزلة في خلق الأفعال، قال الكعبي: إن ذلك بالهداية والبيان والتحذير والمعرفة والألطاف.
قلنا: كل هذا كان حاصلًا في زمان حصول المحاربات والمقاتلات، فاختصاص أحد الزمانين بحصول الألفة والمحبة لابد أن يكون لأمر زائد على ما ذكرتم. اهـ.

.قال الثعالبي:

ويسَّر الله تعالى الأنصار للإسلام بوجْهَيْن:
أحدهما: أنَّ بني إسرائيل كانُوا مجاوِرِينَ لهم، وكانوا يقولُونَ لِمَنْ يتوعَّدونه من العَرَبِ: يُبْعَثُ لَنَا الآنَ نَبِيٌّ نَقْتُلُكُمْ معه قَتْلَ عَادٍ وإرَمَ، فلمَّا رأى النَّفَر من الأنْصَارِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال بعضُهم لبعضٍ: هذا، والله، النَّبيُّ الَّذِي تَذْكُرُه بَنُو إسرائيل، فلا تُسْبَقَنَّ إلَيْهِ.
والوجْهُ الآخرُ: الحَرْبُ الَّتي كَانَتْ ضرَّسَتْهم، وأفْنَتْ سراتهم، فَرَجوْا أنْ يجمع الله به كلمتهم، فكان الأمر كما رَجَوْا، فعدَّد الله سبحانَهُ علَيْهم نعمَتَهُ في تأليفهم بعد العَدَاوة، وذَكَّرهم بها قال الفَخْر: كانَتِ الأنصارُ قَبْلَ الإسلام أعداءً، فلما أكرمهم الله سبحانه بالإسلام، صاروا إخوانًا في الله متراحِمِينَ.
واعلم أنَّ كلَّ مَنْ كان وجهه إلى الدنيا، كان معاديًا لأكثر الخَلْق، ومَنْ كان وجهه إلى خدمة المولى سبحانه، لَمْ يكُنْ معادِيًا لأحدٍ؛ لأنه يَرَى الكُلَّ أسيرًا في قبضة القَضَاء والقَدَر، ولهذا قيل: إن العارف، إذا أَمَرَ، أَمَرَ برفْقٍ، ونَصَحَ لاَ بِعُنْفٍ وعُسْر، وكيف، وهو مُسْتَبْصِرٌ بالله في القَدَر. اهـ.

.قال في الأمثل:

{واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا}.
والملفت للنظر هو تكرار كلمة (نعمة) في هذه الآية مرتين وهو إشعار بأهمية الوحدة هذه الموهبة الإلهية التي لا تحققّ إلاَّ في ظل التعاليم الإسلامية والاعتصام بحبل الله.
والنقطة الأُخرى الجديرة بالاهتمام أيضا هي أن الله نسب تأليف قلوب المؤمنين إلى نفسه فقال: {فألف بين قلوبكم} أي أن الله ألف بين قلوبكم، وبهذا التعبير يشير القرآن الكريم إلى معجزة اجتماعية عظيمة للإسلام، لأننا لو لاحظنا ما كان عليه العرب والمجتمع الجاهلي من عداوات واختلافات وما كان يكمن في القلوب من أحقاد طويلة عميقة وما تراكم فيها من ضغائن مستحكمة، وكيف أن أقل شرارة صغيرة أو مسألة جزئية كانت تكفي لتفجير الحروب، واندلاع القتال في ذلك المجتمع المشحون بالأحقاد، وخاصة بالنظر إلى تفشي الأمية والجهل الملازم عادة للإصابة باللجاج والعناد والعصبية، فإن أفرادًا من هذا النوع من الصعب أن يتناسوا أبسط أُمورهم فكيف بالأحداث الدامية الكبرى؟ ومن هنا تتجلى أهمية المعجزة الاجتماعية التي حققها الإسلام حيث وحد الصفوف، وألف بين القلوب، وأنسى الأحقاد، تلك المعجزة التي أثبتت أن تحقيق مثل هذه الوحدة وتأليف تلك القلوب المتنافرة المتباغضة، وإيجاد أُمة واحدة متآخية من ذلك الشعب الممزق الجاهل ما كان ليتيسر في سنوات قليلة بالطرق والوسائل العادية.
اعتراف العلماء والمؤرخين:
وقد كانت أهمية هذا الموضوع (أي وحدة القبائل العربية المتباغضة بفضل الإسلام) إلى درجة أنها لم تخف على العلماء والمؤرخين، حتّى غير المسلمين منهم، فقد اتفق الجميع في الإعجاب بهذه المسألة، وإظهارها في كتاباتهم، وها نحن نذكر نماذج من ذلك:
يقول جان ديون پورث العالم الإنجليزي المشهور: لقد حول محمّد العربي البسيط، القبائل المتفرقة والجائعة، الفقيرة في بلدة إلى مجتمع متماسك منظم، امتازت، فيما بعد- بين جميع شعوب الأرض بصفات وأخلاق عظيمة وجديدة، واستطاع في أقل من ثلاثين عامًا وبهذا الطريق أن يتغلب على الإمبراطورية الرومانية، ويقضي على ملوك إيران، ويستولي على سوريا وبلاد ما بين النهرين، وتمتد فتوحاته إلى المحيط الأطلسي وشواطئ بحر الخزر وحتى نهر سيحان (في جنوب شرقي آسيا الوسطى).
ويقول توماس كارليل: لقد أخرج الله العرب بالإسلام من الظلمات إلى النور وأحيى به منها أمة خاملة لا يسمع لها صوت ولا يحس فيها حركة حتّى صار الخمول شهرة، والغموض نباهة، والضعة رفعة، والضعف قوّة، والشرارة حريقًا، وشمل نوره الأنحاء، وعم ضوؤه الأرجاء وما هو إلاَّ قرن بعد إعلان هذا الدين حتّى أصبح له قدم في الهند، وأُخرى في الأندلس، وعم نوره ونبله وهداه نصف المعمورة.
ويقول الدكتور غوستاف لوبون: معترفًا بهذه الحقيقة:... وإلى زمان وقوع هذه الحادثة المدهشة (يعني الإسلام) الذي أبرز العربي فجأة في لباس الفاتحين، وصانعي الفكر والثقافة لم يكن يعد أن جزء من أرض الحجاز من التاريخ الحضاري ولا أنه كان يتراءى فيها للناظر أي شيء أو علامة للعلم والمعرفة، أو الدين.
ويكتب نهرو العالم والسياسي الهندي الراحل في هذا الصدد قائلًا:
إن قصة انتشار العرب في آسيا وأوروبا وإفريقيا والحضارة الراقية والمدنية الزاهرة التي قدموها للعالم أعجوبة من أعجوبات التاريخ، ولقد كان محمّد واثقًا بنفسه ورسالته، وقد هيأ بهذه الثقة وهذا الإيمان لامته أسباب القوّة والعزّة والمنعة.
لقد كان وضع العرب سيئًا إلى أبعد الحدود حتّى إن القرآن يصف تلك الحالة بأنهم كانوا على حافة الانهيار والسقوط إذ يقول: {وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها}. اهـ.

.قال البغوي:

قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} قال محمد بن إسحاق بن يسار وغيره من أهل الأخبار: كانت الأوس والخزرج أخوين لأب وأم فوقعتْ بينهما عداوةٌ بسبب قتيل، فتطاولت تلك العداوة والحربُ بينهم عشرين ومائة سنة إلى أن أطفأ الله عز وجل ذلك بالإسلام وألف بينهم برسوله محمد صلى الله عليه وسلم وكان سبب ألفتهم أن سويد بن الصامت أخا بني عمرو بن عوف وكان شريفا يسميه قومه الكامل لجلَدِهِ ونسبه، قدم مكة حاجًا أو معتمرًا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بُعث وأُمر بالدعوة، فتصدى له حين سمع به ودعاه إلى الله عز وجل وإلى الإسلام فقال له سويد: فلعلّ الذي معك مثل الذي معي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما الذي معك قال: مجلّة لقمان يعني حكمته فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اعرضها علي فعرضها، فقال: إنَّ هذا لكَلامٌ حسن، معي أفضل من هذا قرآن أنزله الله عليّ نورًا وهدىً فتلا عليه القرآن ودعاه إلى الإسلام فلم يَبْعُدْ منه وقال: إن هذا لقول حسن، ثم انصرف إلى المدينة فلم يلبث أن قتلته الخزرج قبل يوم بُعاث فإنَّ قومه ليقولون: قد قتل وهو مسلم.
ثم قدم أبو الحيسر أنس بن رافع ومعه فئة من بني الأشهل فيهم إياس بن معاذ يلتمسون الحِلْفَ من قريش على قوم من الخزرج، فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم فجلس إليهم، فقال: هل لكم إلى خيرٍ مما جئْتُم له؟ فقالوا: وما ذلك؟ قال: أنا رسول الله بعثني إلى العباد أدعوهم إلى أن لا يشركوا بالله شيئا، وأنزل علي الكتاب، ثم ذكر لهم الإسلام وتلا عليهم القرآن، فقال إياس بن معاذ وكان غلاما حدثا: أي قوم هذا والله خير مما جئتم له، فأخذ أبو الحيسر حفنة من البطحاء فضرب بها وجه إياس وقال: دعنا منك فلعمري لقد جئنا لغير هذا، فصمت إياس وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، وانصرفوا إلى المدينة وكانت وقعة بُعاث بين الأوس والخزرج، ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك.